المنهجيات النقدية والشعر الستيني " الملامح والموجهات ، المنهجيات السياقية ، المنهجيات النصية "

محتوى المقالة الرئيسي

م. د. بيداء عبد الصاحب عنبر الطائي

الملخص

          اعتمدت التجارب النقدية الأكاديمية وغير الأكاديمية الناقدة للشعر الستيني على منهجيات مختلفة، وكان الاهتمام بهذه المنهجيات ميدانا للدراسات النقدية التي أنتجها شعراء الستينات، فظهرت الكثير من الطروحات النقدية عند الشعراء النقاد ، وكانت هذه الطروحات أما ذاتية تعكس بلورة أفكارهم وبناء شخصياتهم ، أو موجهة إلى أبناء الجيل الستيني عموماً ، واختلفت ميول النقاد واتجاهاتهم وهم يخوضون تجاربهم النقدية، فكان لكل ناقد أو دراسة نقدية هدف يسعى الى تبريره وتفسيره الأمر الذي دعا بعض النقاد إلى أن يرددوا أسئلة كثيرة بشأن قبول التجربة الستينية، وسر اندفاع بعض الآراء النقدية نحوها، واعتداد الشاعر الستيني بمكانته الشعرية. وضمن دراستنا لمنهجيات المعالجات النقدية للشعر الستيني، وجدنا انه من السهل أن نحدد تلك المنهجيات، إلاّ انه من الجدير بالذكر أن أغلب هذه الدراسات قلّما اعتمدت على منهج واحد ميسور التحديد في نقدها التطبيقي لهذا الشعر، فكانت تجمع إجراءات تطبيقية من مناهج مختلفة. وهذه ظاهرة وجدت عند عدد غير قليل من النقاد الذين حرصوا على تخليص الممارسة النقدية من أسار المنهج الواحد تكريساً لمساعٍ تكاملية كانوا ينشدون إليها. كان واقع النقد العراقي في مرحلة الستينات وما تلاها ينماز بالثبات والمحافظة نسبياً، وكان أغلب النقاد ينتهجون المنهج الواقعي بأشكاله كلها توافقاً مع المشهد المعيش: سياسياً، واجتماعياً، وثقافياً. وبدت التجارب النقدية تقليدية بعيدة عن التجارب الحديثة التي جاءت فيما بعد معتمدةً في أغلبها على الانطباع والتأثر. وبدا الخطاب النقدي متقوقعاً على نفسه في ممارسة لا تعرف سوى الرؤى النقدية السياقية المتعارف عليها، إذ أن الإجراء النصي لم يتحقق تاريخياً في الممارسات النقدية العربية إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين وفي منتصف الستينات تحديداً،  ولم تعرف الساحة الأدبية في بداية هذا القرن غير المناهج الموروثة إذ أقبل النقاد على نصوص الشعر الستيني، وتناولوها بالدرس النقدي، متخذين من المناهج السياقية عماداً لهم ، ولجأ هؤلاء النقاد إلى هذا النوع من المناهج النقدية إيماناً منهم بأن التجربة الشعرية على الرغم مما فيها من تعقيد ودقة، فإن أثرها الخاص يكمن في السياق بما فيه من صور وإيحاءات، ففسروا النصوص الشعرية تاريخياً، واجتماعياً، وسياسياً، ونفسياً. وكان حضور التحليل واضحاً في هذه المناهج لاسيما المنهج النفسي.  وبدا ربط النصوص الشعرية الستينية بمعطياتها السياقية أمرا محتما في الخطابات النقدية، ولاسيما أن هذا الجيل نشأ في زمن التحولات الخطيرة على المستويين الثقافي والفكري، وهذا أقرب إلى النقد الانطباعي الذي يعنى بشخصية المؤلف وعصر التأليف، وتفسير بعض المقولات المتصلة بالسياسة والاجتماع ذاتياً وغير ذلك. فيحشد الناقد أدلة لتعزيز رؤيته الإيديولوجية، أو الاجتماعية يبين فيها العالم الخارجي للنص ولا يثير الإشكالات الرئيسة التي تدخل في صلب النص بل تستند إلى نسق أيديولوجي. وربما يكون لهيمنة السلطة الثقافية ومركزيتها أثر في ذلك، واتسمت كتاباتهم بافتقارها إلى التنظير المنهجي فكانت معظمها تعتمد على التحليل السياقي وحسب، لاسيما التاريخي أو السسيولوجي، إذ أن النقاد السياقيين لم يعنوا بالتنظير إلاّ في حقبة متأخرة بعد منتصف الثمانينات، إذ تبين ان مرحلة السبعينات والثمانينات كانت الحاضنة المهمة لبروز النقد المنهجي الذي أصبحت تسوده مجموعة من المنهجيات المتحكمة في ضبطه بعيداً عن الذاتية والانطباع. وظلت الخطابات النقدية مستقرة تقريباً على هذا النحو إلى أن عصفت رياح التغيير مقترنة بالحداثة، وظهر النقد الحديث. فشهد التحليل النقدي تحولات خطيرة في مناهجه المتبعّة، وكان هذا التغيير مجانساً للتغيير الحاصل في الحركة الشعرية، فلم تعد تلك المناهج القديمة تستوعب ما هو جديد في النص الشعري. فظهر نقاد كثر تنوعت خطاباتهم وتعددت، فكان المشروع النقدي الحديث دعوة غير مباشرة إلى تخليص العمل النقدي من أحادية المنهج، والتوفيق بين المناهج المتعددة، وعلى الرغم من تعدد منهجياتهم النقدية، واختلافها إلاّ أن هذه المنهجيات قد شهدت طفرة نقدية غذتها عوامل متعددة، فتسلح النقاد بآليات جديدة متوجهة إلى (النص) لا إلى ما حوله من سياقات خارجية فكانت (البنيوية) هي الملمح الأول من ملامح التحديث النقدي، وجعلوا من (النص– اللغة – الأسلوب) مادة لهم في مناهجهم النقدية،  واستمرت حركة التحديث النقدي، فظهر الملمح الثاني في مرحلة ما بعد الحداثة حيث المنهجيات اللاحقة للبنيوية، من أسلوبية، وسيميائية، وتلقٍ، وتفكيك. وشق النقد الجديد طريقه في الفحص النصي، واللساني للخطاب الشعري، كاشفاً بذلك عن حمولاته التعبيرية والأسلوبية، واستغوار البيانات النصية والدلالية.

تفاصيل المقالة

كيفية الاقتباس
المنهجيات النقدية والشعر الستيني " الملامح والموجهات ، المنهجيات السياقية ، المنهجيات النصية ". (2022). مجلة كلية التربية الاساسية, 23(99), 141-154. https://doi.org/10.35950/cbej.v23i99.6293
القسم
مقالات العلوم الانسانية

كيفية الاقتباس

المنهجيات النقدية والشعر الستيني " الملامح والموجهات ، المنهجيات السياقية ، المنهجيات النصية ". (2022). مجلة كلية التربية الاساسية, 23(99), 141-154. https://doi.org/10.35950/cbej.v23i99.6293