النّحو العربيّ بين القداسة ودعوات الكهكنة ـ قراءة لدعوات ـ

الملخص

       الحمد لله جلّ حمده وثناؤه، وتعالى مقامه، والصّلاة والسّلام على رسوله؛ نبيّ الرّحمة، وإمام الأئمّة، وسراج الأمّة المنتخب من طينة الكرم، وآل بيته مصابيح الظُّلَم، وعصم الأمم.

لا يخفى أنّ مجتمع ما قبل الإسلام كان يمتاز بأنّه مجتمع سام لغة وفصاحة، وهذا كان الرّأي الذي اجتمع عليه جمهور العلماء.

وكانت اللّغة تتمثّل في لسان قويم صحيح فصيح، وتعامل بها العربيّ على البديهة، ومارس أساليب لغته ممارسة لا حيرة فيها، ولذلك هو يمارس لغته معربا على تنوّع نشاطاته اللّغويّة، وكان يحافظ على نشاطاته اللّغويّة وأساليبه بالأداء الأفضل، ولذلك لم يقع فيها لحن؛ فاللّسان العربيّ كان :"عندهم صحيحا محروسا، لا يتداخله الخلل، ولا يتطرّق إليه الزّلل"(1).

وشرّف الله تعالى هذه الأمّة بكتابه العزيز فعلا طموح الدّاخلين فيه؛ مبتغين نشره في الأمصار على تفرّق جغرافيّتها، فبدؤوا بتفسير نصوصه، مستخرجين منه تعاليمه، وأصوله، وأحكامه، وضوابطه، وتشريعاته؛ لأن المراد من ذلك تقريبه من الأذهان، علاوة على بيان مفاهيم الدّين الجديد إلى كلّ من اعتنقه، وإلى من يجهل حقيقة هذا الدّين.

ودخول الأمصار المختلفة في الدّين الإسلاميّ الحنيف كان سببا في تلاقح الحضارات، كما كان لهذه الحضارات الملتقية أثر ـ غير إيجابيّ ـ في اللّسان العربيّ، إذ ظهر :"ضعف السّلائق، وانحراف الألسنة، وظهور اللّكنة، وفشو اللّحن، ووجد ذلك طريقه إلى القرآن الكريم، فقد أخذ الأجانب منذ الفتح يدخلون في دين الله أفواجا"(2).

وبسبب الخشية على القرآن الكريم من أن ينتقل إليه هذا الضّعف في السّلائق، فيقع الخطأ في قراءته، اجتمع العلماء؛ ليُبْعِدوا عنه كلّ لحن في القراءة، ويحافظوا عليه أشدّ رايات الحفاظ؛ لأنه النّور الذي اهتدوا به، وعن طريقه، ولأنه الطّريق الذي يعمل على نقلهم من دروب الرّذيلة الّتي كانوا عليها حتى موائل الفضيلة، ونستطيع أن نمثّل حرص العلماء ذلك على القرآن ولغته، بعمل أبي الأسود الدّؤليّ (69هـ) في نقط الإعراب؛ ذلك العمل الجبّار الّـــذي كفل للّسان العربيّ كثيرا من الفصحى الّتي كان يعتادها العربيّ قبل توغّل اللّحن وتسرّبه وتطاوله على اللّسان العربيّ، كما إنّه تعبير عن عقليّة نيّرة امتاز بها الدّؤليّ.