الأسلوب الفني في أعمال الفنان سعد شاكر دراسة تحليلية

ان دراسة الاساليب الفنية هي دراسة طرق أداء الفن، فالفن نشاط إنساني جماعي وفردي وثمرة لحضارة تمتد على أساسه الانماط والاساليب والبنى الاجتماعية لكل فترات هذا البناء الحضاري، ولما أمتاز العراق به من دور فني حضاري متميز عبر التاريخ مكنه من أن يكون مركز إشعاع حضاري أثر في كثير من فنون الحضارات الإنسانية.

ومع تجدد النشاطات الفنية للفن العراقي المعاصر في الثلاثينيات من هذا القرن وتكون الحركة التشكيلية المعاصرة وما كان لدور الفنان في دعم وترسيخ أسس هذه الحركة التشكيلية الرائدة تأتي أهمية هذا البحث في محاولة لمعرفة الدور الذي أحتله فن الخزف بصورة عامة في تلك الحركة ومن ثم في معرفة أسلوب هذا الفن من خلال التعرف على أساليب الفنانين وبذلك فأن أي دراسة لأسلوب فني تعني دراسة لوسائل الفنان التي يستعين بها لتحقيق النتائج التي يرغب بها في عمله الفني ، ولما كانت الاعمال الفنية هي الانعكاس الحقيقي لأسلوب الفنان وطريقة تعبيره تأتي أهمية هذا البحث في التعرف على أسلوبيته من خلال تتبع أعماله الفنية لفترات حياته المختلفة ومن هذا وذاك يتبين لنا أهمية دراسة الاسلوب الفني على صعيد الدراسة الانسانية عموما، أما دراسة أسلوب الفنان سعد شاكر حصراً فتأتي أولا من أهمية دراسة الاسلوب المذكورة سابقا ثم من أهمية الفنان سعد شاكر كخزاف عراقي معاصر يعد من أبرز علامات الخزف العراقي المعاصر، وكونه من أوائل المشتغلين في الخزف العراقي المعاصر وصاحب أوسع تجربة فنية معاصرة من حيث البعد الزماني والموضوعي .

درس سعد شاكر الرسم لمدة ثلاث سنوات في معهد الفنون الجميلة ببغداد الى حين مجيء الاستاذ القبرصي ( فالنتينوس كارالامبوس) ليضيء لسعد شاكر درب الخزف بكل ما يحتاجه من عون وتشجيع ونصيحة مؤكدا ذلك بقوله " أنت تملك ذهنية ويد ممكنة لأن تكون خزاف" الأمر الذي حقق دافعا للفنان للاستمرار بعمله والمواصلة في دراسته حيث كان يقضي معظم وقته في المعهد الى حد الاختلاط بطلاب الدراسة المسائية أمثال نوري الراوي وكاظم حيدر وأستاذهم فائق حسن.

وسعد شاكر أول ثمرة من ثمرات تعليم فالنتينوس وأكثرها كمالاً، انه اليوم رائد الخزف العراقي بلا منازع، فقد شق طريقه في الفن مسلحاً بأساسه المتين اولاً وما حصل عليه بعد ذلك من معرفة متنوعة غذت لديه النزعة نحو العمل الدؤوب وأثرت خياله وحساسيته، وعلاقة سعد بالطين لا تقف عند حدود الصنعه ، فالطين عنده مادة حياة يصوغ منها فكره ورؤيته وان متعته القصوى تأتي من ممارسته أعلى درجات التحدي في تطويعه وإخضاعه ليكون شاهد جمال معبر، فحين يقدم سعد نمطاً تقليدياً من أنماط الخزف كالآنية، فهو لا يقدمها على نحو تقليدي بل يتحايل على ذلك بما يضفيه من زخرفة نابعة من روح رسام متمرس يتمتع بحس ذوقي عال وجرأة في إيجاد تكوين تجريدي حديث لا يغفل عن تذكيرنا بهويته التاريخية، فاللون الذهبي التقليدي حين يستخدمه الفنان هنا مع مساحات من الفيروزي أو الأحمر والأسود فانه يجعلنا نشعر إن هذا الخيط الذائب في مساحات الألوان يحمل من حداثة الشكل أكثر مما يحمل من الماضي.

وهكذا نجد ان اهم السمات الاسلوبية العامة لديه تتمثل فيما يلي: -

1. تقديم جماليات العلاقات العامة بين الاشكال الهندسية التي تنقل قيم جمالية مثالية من حيث تناغم وانسجام النسب كما تنقل شهادة مرئية بقدرات الفنان التقنية ووعيه العلمي بخصائص مادته.


2. التداخل الفضائي يمثل اهم بحوثه وتحدياته التي فرضها على نفسه وعلى اعماله الخزفية محاولا احتوائه بالكتلة وتضمين التكوين لفضاء داخلي متغلغل فيها قد يكون بؤرة بصرية للتكوين.


3. التضاد اللوني ربما قصد به تنشيط استقبالنا للعمل بصريا وقد نتج عنه شد بصري ادى الى احتواء العمل بسرعة وحيوية كما انه اعطى للأشكال استقلالية واكد وضوح المتماسات الرشيقة والمركزة والدقيقة بين الاشكال.


4. التضاد الملمسي صنع نقلات وتناغميات في نوع السطوح التي اكتسبتها الاشكال فأعطى عمقا لبعض الاشكال وارتداد لبعضها مما جعله يسخر حركة العين على العمل لصالح التكوين العام للعمل.


5. التناظر، ربما كان ملازما لتوجهاته نحو الاشكال الهندسية والعلاقات المثالية فكان التناظر حلا شيقا لمشكلة التوازن في بناءاته الشكلية الخزفية.


6. التقنية العالية تشهد وتنطق بها جميع اعماله تقريبا، لا بل معظم لمساته تتميز بأداء تقني عالي ومتميز ينم عن بناء معرفي رصين وتراكم خبرة مديد العمر لفنان اعتبر التقنية هي المخرج والمتنفس الوحيد لإبداعات فكره.

سعد شاكر فنان وخزاف متميز له اسلوب وتقنيات خاصه مما يجعله يقف على ارضية ثابته وبخط مستقيم للوصول الى هدفه، وهو مع بقية قليله من الخزافين يشكل البنية الراسخة في بناء مسيرة الحركة الفنية التشكيلية المعاصرة في العراق، مما يجعله بعيدا عن تكرار نفسه ويغري الاخرين بتقليده.