العجائبية في رواية نزيف الحجر لإبراهيم الكوني

        تأتي هذه الدراسة والموسومة ب ( العجائبية في رواية نزيف الحجر لإبراهيم الكوني ) لتقف عند أهم القضايا الجديدة للرواية العربية , ومنها قضية الأدب العجائبي أو الغرائبي , وكيفية توظيف الكاتب لهذا النمط من الكتابة في الأعمال الروائية , اذ ان الرواية بشكل عام تُمثل أوضاعآ إجتماعية وإنسانية ونفسية في الحياة , ويحاول الكاتب بدوره أن يخلق لنا عالمآ جديدآ ومغايرآ للعالم الواقعي الحقيقي , وهذا بالضبط مهمة الأدب أن تكون وهمآ للواقعِ لا الواقع نفسه , وهنا يحاول كاتبنا إبراهيم الكوني في روايته نزيف الحجر وحتى في رواياته الآخرى أن يخلق لنا عالمآ عجيبآ وغريبآ من خلال توظيف الشخصيات والأحداث والأمكنة في مفاهيم إسطورية وفنتازية , فنرى الحيوان " الودان " وشخصية " أسوف " والصحراء وإرتباطهم بعالم الجن , والخرافات وأقاويل العرافين , كلها تدخل في نطاق الأدب الفنتازي أو العجائبي , فالكاتب يقوم بما يسمى ب ( سردية التعجيب ) , أي إدخال أحداث عجائبية وسط عالم حقيقي , وبهذا يتحول النص الطبيعي الى نص عجائبي توطئــة :

      الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين : أما بعد

     فقد احتلت الكتابة الروائية العربية موقعاً مهماً بين الكتابات الروائية العالمية ، وما رافقتها من قضايا جديدة وتحولات أخرى ومتغيرات رئيسية سواء أكان في الشكل كاستخدام تقنيات جديدة أم في مضمونه ^([i]) ، لتضفي الى خلق انماط واشكال جديدة للرواية العربية ، وهذه الاشكال أخذت طابعاً مغايراً عما رأيناه في الماضي القديم للآداب العربية والعالمية ، وان كانت موجودة في بعض الاعمال ذات الطابع الغرائبي مثل حكايات الف ليلة وليلة ، وكليلة ودمنة وبعض الكتب التي تمتاز اجوائها واحداثها بالغرابة والسحر واللاوعي كرسائل الغفران لأبي العلاء المعري ، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الاندلسي ، فضلاً عما استمده الكُتَّاب من قصص القرآن الكريم^([ii])، فأصبح قسم من كُتَّاب الرواية يعتمدون على الغريب والعجيب واللامألوف في سرد الاحداث ، وتحليل نفوس الشخصيات والدخول الى عوالم الجنون والهلوسات، والاستكشافات المتعلقة باللاوعي والعقد النفسية (( فقد أصبح المبدع الروائي يستمد رؤاه من الكتابات الجديدة التي اخترقت بعض المناطق المجهولة اولاها كتابات فرويد ، ووليم جيمس في علم النفس، عن طريق الاكتشافات المتعلقة باللاوعي ، وكل ما ينتج عنه من هذيان وهلوسات وخصائص الجنون والعقد النفسية، بحيث ان هناك جدلية مستمرة بين العقلي واللا عقلي تمثل الجسر المستمر للأدب )) ^([iii]) .

     لقد غدا نمط الكتابة الروائية الحديثة تعتمد في أغلب كتاباتها على غير المألوف ، وانعدام اليقين ، والدخول الى عوالم غير مرئية وغير مفهومة من قبل القارئ العادي ، وهذا يقودنا الى تكوين ما يسمى بسردية التعجيب وهي (( واحدة من ابرز الاشكال الجديدة للتعبير ، والتي يتجاوز بها المبدع حدود الاطار التقليدي للحبكة السردية ، فيُنشئ بواسطة هذه السردية مظهراً من مظاهر التغير داخل الشكل الروائي ))^([iv]) ، وبهذا يكون القارئ امام مسؤولية كبيرة في اثناء قراءة النص ؛ وذلك من خلال ربط الفكرة الواحدة أو الحدث مع غيرها من الافكار أو الاحداث الاخرى ، وهذا يقودنا الى غموض المعنى داخل النص ، مما يدفع بالقارئ الى التأويل( الهر منطقياً) ^(*) فالقارئ يشعر بغموض المعنى ، وهذا الغموض هي حصيلة افكار المبدع ، اذ يوظف الحدث الاسطوري والشخصيات الفنتازية أو الغرائبية داخل نصه.

     وهنا تظهر مقدرة الكاتب في خلق عالمه الروائي العجيب ، إذ ينظر إليه من زاوية واحدة أو من عدة زوايا ، وقد لا يشعر القارئ بوجود هذه الفنتازيا ومن ثم ومن ثم يخالف القارىء رؤية الكاتب ومعنى النص^([v]) .

    تمثل الرواية جنساً ادبياً متميزاً ، الى جانب الاجناس الادبية الاخرى ، فهي بحسب تعبير"زيما" تمثل أوضاعاً اجتماعية تكون وصفاً للحياة النفسية للشخصية مع تحليلات سوسيولوجية ^([vi]) ومن ثم فأن الفنتازيا في الادب تهدف الى جمع تصورات غير مألوفة وغير واقعية تأخذ نصيبها من الواقع ، وتوظف هذا الواقع في مجالات عجائبية ، وعوالم مختلفة , وتصوير اللاوعي ، وبأن (( الفنتازيا في الأدب تنجم عن تصورات غير واقعية وتهدف الى اشباع الرغبات اللاواعية ))^([vii]) .

[i]- ينظر : التحولات في الرواية العربية ، نزيه ابو نضال : 13 .

[ii]- ينظر : موسوعة السرد العربي ، عبدالله ابراهيم : 23 .

[iii]- شعرية الرواية الفانتاستيكية ، شعيب حليفي : 7 .

[iv]- العجائبي في الرواية العربية ، نورة بنت ابراهيم العنزي : 7 .

* هو العلم : (( الذي ينظم استراتيجية القراءة ويهدف الى الارتقاء بالابداعات من القراءة السطحية المنعزلة الى تأسيس نظرية متكاملة في تدبر الاثار الفنية )) في مفهوم القراءة والتأويل، مجلة عالم الفكر ، مج33 ، عد2 / ص29 ، نقلاً عن استرداد المعنى ، دراسة في أدب الحداثة، عبد العزيز ابراهيم : 105 .

[v]- ينظر :المصدر نفسه : 107 .

[vi]- ينظر : شعرية الرواية الفانتاستيكية : 8 .

[vii]- ادب الفنتازيا ، مدخل الى الواقع ، ت . ي . أيتر ، تر : صبار سعدون السعدون : 17 .