كَسْرُ ثُنائيَّةِ (العُمْدَة/الفَضْلَة) في آياتِ النَّهْيِ السَّبَبِيِّ رُؤْيَةٌ وَظيفِيَّةٌ
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
يُعْنَى بَحْثي هذا بِدِراسَةِ ظاهِرَةِ تَبادُلِ الأَدوارِ بينَ العُمَدِ والفَضلاتِ في أُسلوبٍ بَليغٍ مِن أَساليبِ العربيَّةِ لَم أَجِدْ مَن اصطَلَحَ على أَمثِلَتِهِ اصطِلاحًا مُحَدَّدًا، وهوَ ما أُسَمِّيهِ أُسلوبَ (النَّهْي السَّبَبيّ). وضابِطُهُ وُرودُ النَّهْيِ لِجِهَةٍ لا يَصِحُّ تَوجيهُهُ إليها، فلِذلكَ يُصْرَفُ إلى النَّهْيِ لِجِهَةٍ أُخرَى تَصِحُّ مُلابَسَتُهُ لَها.
وَلِما لِعِبارَةِ (لا أَرَيَنَّكَ ههُنا) مِن مَركَزِيَّةٍ في هذا الموضوعِ أَدرَجَ العُلَماءُ كُلَّ الحالاتِ التي فيها نَهْيٌ لِجِهَةٍ لا يَصِحُّ تَوجيهُهُ إليها تَحْتَ بابِ (لا أَرَيَنَّكَ هاهُنا). فالنَّهْيُ السَّبَبِيُّ في هذهِ العِبارَةِ مُوَجَّهٌ مِن المُتَكَلِّمِ إلى نَفْسِهِ، في حينِ أَنَّهُ كانَ في الأَصلِ الذي هوَ: لا تَكُنْ هاهُنا فَأَراكَ، مُوَجَّهًا إلى المُخاطَبِ، فقد فارَقَ مَنْهِيَّهُ الأَصْلِيَّ إلى مَنْهِيٍّ جَديدٍ. ويُحَقِّقُ هذا العُدولُ في النَّهْيِ بِذِكْرِ المُسَبَّبِ بَدَلًا مِن سَبَبِهِ أَغراضًا بَلاغِيَّةً مِنها المُبالَغَةُ والمَجازُ العَقْلِيُّ بِقَلْبِ الإسنادِ والكِنايَةُ بِإطلاقِ اللَفظِ وإرادَةِ لازِمِهِ.
وقَد استَمْدَدتُّ مُصطَلَحَ (النَّهْي السَّبَبِيّ) مِن مُصطَلَحِ (النَّعْت السَّبَبِيّ) لِما بينَهُما مِن صِلَةٍ مِن حَيثُ مُفارَقَةُ كِلَيْهِما مُلابِسَهُ الظّاهِرَ إلى مُلابِسٍ آخَرَ.
وسيَكونُ اعتِمادُ البَحثِ في تَحليلِ أَمثِلَةِ النَّهْيِ السَّبَبيِّ على النَّحوِ الوَظيفِيِّ مِن خِلالِ أُطروحَةِ أَحَدِ أَعلامِهِ، وهوَ أَندريه مارتينيه، التي يُمكِنُ إجمالُ خُطوطِها العَريضَةِ في أَنَّ المَلفوظَ يَضُمُّ كَلِماتٍ مُتَفاوِتَةَ الأَهمِّيَّةِ؛ بَعضُها ضَرورِيَّةٌ وتُسَمّى الكَلِماتِ الإسنادِيَّةَ، وتَكونُ بِمَنزِلَةِ عِمادِ المَلفوظِ وتُشَكِّلُ نَواةَ ما يُسَمّى المَلفوظَ الأَدْنَى؛ وبَعضُها غَيرُ ضَروريَّةٍ وتُسَمّى تَوَسُّعًا، وهيَ تَأتي بَعْدَ الكَلِماتِ الإسنادِيَّةِ وتُمَثِّلُ كُلَّ ما ليسَ ضَرورِيًّا في الجُملَةِ. فالتَّحليلُ الوَظيفِيُّ لِتَركيبِ الجُملَةِ يَقومُ على التَّفريقِ بينَ أَمرَيْنِ: المَلفوظِ الأَدْنَى، والتَّوَسُّعِ. فاستِنادًا إلى هذا التَّحليلِ يَحدُثُ في أَمثِلَةِ النَّهْيِ السَّبَبِيِّ تَبادُلٌ بينَ عَناصِرِ الجُملَةِ؛ إذ يَحلُّ بَعضُ عَناصِرِ التَّوَسُّعِ، وقَد كانَ خارِجَ نِطاقِ الإسنادِ، مَحلَّ بَعضِ عَناصِرِ المَلفوظِ الأَدْنَى الإسنادِيِّ، في كَسْرٍ واضِحٍ لِصَرامَةِ ثُنائيَّةِ (العُمْدَة/الفَضْلَة).
واقتَضَت طَبيعَةُ البَحْثِ أَن يُجعَلَ في مَبحَثَيْنِ تَنظيرِيٍّ وإجرائيٍّ تَسبِقُهُما مُقَدِّمَةٌ وتَتلوهُما خاتِمَةٌ يَأتي بَعدَها مَسرَدُ المَصادِرِ والمَراجَعِ.
تفاصيل المقالة

هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-ShareAlike 4.0 International License.