ثنائية اللذة والألم وتجلياتها الزمنية في الشعر العباسي
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
إنَّ اللذة والألم من الأساسيات النفسانية الأولية للذات الإنسانية (1) وهما مبدآن متعارضان يتحكمان ويسيطران على السلوك الإنساني ، فمبدأ اللذّة – كما يرى العالم النفساني فرويد Freud""- هو المسيطر على الفرد منذ طفولته ويظهر في الطاقة الحيوية أو الجنسية أو ما يسمى باللبيدو"Libido"( 2) أو غريزة الحياة، والذي يسعى الإنسان دوماً إلى إشباعه بصرف النظر عن كل الاعتبارات ، ومن السعي وراء اللذّة وتجنب الألم، ويظهر مبدأ الألم في غريزة الموت (3) .
ويقال أنَّ اللذة هي (( نوع من التحرر أو العمل على التخلص من الألم ))(4) أو هي (( إشباع لرغبة على نحو لا يتطلب نشاطاً بمعنى حيوية . ويمكن أن يكون الإحساس باللذة مكثفاً مثل إحراز نصر إجتماعي أو الحصول على مزيد من الربح ... أو تكون اللذة الجنسية المألوفة ، أو الأكل حتى الإمتلاء ، أو لذة إشباع نزوع سادي ، أو نشوة شراب ...))( 5) .
ولو أنعمنا النظر في طبيعة اللذة والألم ؛ لتبين لنا أنّهما مجرد عرض أو علاقة تصاحب حالة جسمية أو نفسية: فالعضو الذي يمارس نشاطه بطريقة صحيحة اعتيادية ، لابُدَّ من أن يجيء نشاطه مقترناً بضرب من الشعور باللذة ، في حين أنَّ العضو الذي يمارس نشاطه بطريقة مرضيّة غير سليمة لا بُدَّ من أن يصحب نشاطه شعورا بالألم ، وهذا الأمر أيضاً يؤثر على الجانب النفسي( 6) مع مراعاة أنه ليس من الضروري أن تكون كل لذة خيراً ، وكل ألم شراً ، فإنَّ بعض اللذات شرور كلذة تعاطي الخمور، كما أن بعض الآلام قد تنطوي على شيء من الخير كالألم الناشئ عن تأنيب الضمير... ( 7) ولعل في قوله I ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ( ( 8) خير دليل على ذلك .
فالذات هي من تستشعر ذلك الشعور الناتج عن اللذّة والألم ، ومع ذلك لا تستغني عنهما بمعنى آخر أننا لا نشعر قط بكوننا سعداء وبعيدين عن الألم إلا بعد أن تفارقنا تلك السعادة التي كنا غارقين في غمراتها ، وربما كان السبب في ذلك أن السعادة تخلق ضرباً من الإنسجام بين اللذات والعالم الخارجي ، وعليه فلولا الألم لم نشعر بالسعادة أو اللذة (( فليس ثمة مخلوق لم يحلم باستئصال كل ما في الحياة من ألم ، حتى تسود العالم اللذة وحدها ، ولكن هذا الحلم الجميل ، هو في الحقيقة ضرب من الاستحالة ؛ لأن من ينتزع من نفسه القدرة على التألم إنما يحرم ذاته في الوقت نفسه من القدرة على التلذذ))( 9).
نستشف مما تقدم أن اللذة والألم (( حالتان مرتبطتان ولا سبيل إلى الفصل بينهما على الإطلاق ، مثلهما كمثل كفتي الميزان كل حركة في إحدى الكفتين من شأنهما أن تستبع بالضرورة تحرك الكفة الأخرى ))( 10) .
تفاصيل المقالة

هذا العمل مرخص بموجب Creative Commons Attribution-ShareAlike 4.0 International License.