ظاهرة العَذْل في الشِّـــعر الجَــــاهلي دراسة تحليلية

الملخص

يتناول هذا البحثُ ظاهرةً مهمةً سجَّلتْ حضورَها الكبير في الشعر العربي قبل الإسلام، وهي ظاهرة (العَذل) التي ارتبطت بين اتجاهين أساسيين هما: البُعد الاجتماعي، والبُعد النفسي الذاتي. إذ بلور الشاعر القديم أبعاد هذا التعبير الإنساني في معاني شعره ، ومخاطبة المجتمع . ولأنَّها ظاهرةٌ اجتماعية ذاتية فقد استعان البحث ببعض مصادر علم النفس لتبرير حضورها، وقوّة تفاعلها في التعبير الإنساني الذي حاول الشاعر القديم أن يكون جزءاً منه.

وقد احتوتْ هذه الظاهرةُ مفرداتِ الحياة العربية بتفاصيلها الحسّيةِ ، والمعنويةِ مما انعكس ثراءً في المعاني التي خلّدها الشعرُ في أسلوب العذل واللوم . الأمر الذي حاول البحثُ فيه تتبع حركة الظاهرة في المِتن الشعري القديم، وتبيان مستوياتها ضمن مبحثين أساسيين هما:     -   المبحث الأوّل : الشاعر مَعْذولاً .

• المبحث الثاني : الشاعر عَاذلاً .

وقد وقفت بعض الدِّراسات والمقالات على بحث جوانب جزئية في الظاهرة ( كالعاذلة والعاذل ..) ولكنها لم تدرس الظاهرة بعنوانها وحركتها العامة في الشعر القديم . الأمر الذي تحرَّك فيه هذا البحث ليكملَ الجهود التي سبقته ، ويدرس هذه الظاهرة في عنوانها العام ، وما أفرزته من مساراتٍ في حركتها الاجتماعية والذاتية. لذا كان هذا البحث محاولةً في هذا الاتجاه.  

كان الشَّعرُ وما زالَ أداةَ وعي للشاعر العربي، استطاع من خلالهِ أن يعبّرَ عن مكنونهِ الذاتي والاجتماعي... ورؤيتهِ للحياة من حولهِ ، إذ أنَّ "عملية الإبداع تتأثر بتفاعلات الأشخاص مع الآخرين وعلاقاتهم بهم، كما تتأثر بالسَّياق الاجتماعي الذي يوجد فيه هؤلاء الأشخاص"^([i]). ومثلما يقال بأنَّ اللَّغةَ ظاهرة اجتماعية، يمكن القول بأنَّ الشعر ظاهرة إبداعية اجتماعية احتوت الحياة العربية بمعالمها وروحها... و لا يغيب عن بالنا مقولة ابن عباس: "الشَّعرُ ديوان العرب"^([ii]). وهي العبارة التي نفهمها في هذا البحث على أنّ الشِّعر رؤية للعالم ، لا وصفاً مادياً له فحسب. فالشاعرُ يعيدُ خلقَ الحياة برؤيةٍ وتأملٍ ذاتي جديد يحقق له التوازن والتكيّف مع المجتمع الذي يعيش فيه ، والتوازن مع ذاته أيضاً ، فيتحول الشعر إلى سلوك تبريري أو تكيّفي في مواقف الشاعر مع الحياة ويشكِّل أحدى الوسائل الدفاعية المهمة في تحقيق احترام الذات والحياة . فيصبح الشعرُ وسيلةَ دفاعٍ للشاعر ( defense mechanisms ( الذي يُعيد فيها تحقيقَ التوازن النفسي والاجتماعي دون الوقوع في صراع (3).

[i] ) الإبداع والشخصية – دراسة سيكولوجية-  عبد الحليم محمود السيد، ص71 ، دار المعارف بمصر، 1971م.

2)  ينظر : العمدة لابن رشيق القيرواني 1/32  ، تح :محمد عبد القادراحمد عطا ، دار الكتب العلمية – بيروت .

3) ينظر السلوك الإنساني ، د.انتصار يونس ، ص334 ، دار المعارف بمصر ، د. ت.

4) ينظر علم النفس العام ، فراير ، ترجمة د.إبراهيم يوسف المنصور ، ص84-85، مطبعة المعارف – بغداد ، ط2 ، 1968م