نشأة الامتيازات الأجنبية في مراكش وتطورها حتى عام 1912

الملخص

لعل من اهم نتائج الثورة الصناعية في اوربا ، ظهور الحركة الاستعمارية الحديثة مطلع القرن التاسع عشر ، فضلا ً عن اسبابٍ اخرى اقل اهمية ، اندفعت على اثرها الدول الاوربية للتسابق من اجل الحصول على المستعمرات في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية . واذا كانت مراكش قد نفذت من الخضوع للسيطرة العثمانية الا انها ظلت محط انظار التنافس الاستعماري الاوربي لما تمتلكه ُ من موقع ستراتيجي هام جعلها في صلب اهتمامات الدول الاستعمارية الكبرى .

    على الرغم من امتلاك مراكش قوة عسكرية مدربة ، ومنظومة تجارية جيدة ، ومردودات مالية كافية ، وقوة سياسية تتمثل ببعض السلاطين الاقوياء والعديد من الوزراء والقادة المخلصين ، الذين حاولوا بناء دولة قوية بعيدة عن التنافس الدولي الا انهم لم يتمكنوا من تحقيق غاياتهم الوطنية بسبب التدخلات الاجنبية السافرة في الشؤون الداخلية المراكشية منذ ُ القرن السابع عشر ولا سيما فرنسا واسبانيا .

    فقد احتلت اسبانيا العديد من الموانىء والجزر المراكشية ورفضت التخلي عنها لانها تعد مراكش جزء من الاراضي الاسبانية . وعادت بريطانيا مطلع القرن الثامن عشر لاحتلال مدينة طنجة ورفضت الجلاء عنها لاسباب جيوستراتيجية . اما فرنسا فقد كانت تتطلع لاحتلال المغرب العربي باكمله ولا سيما بعد احتلال الجزائر عام 1830م .

    عانت مراكش خلال القرن التاسع عشر من مشاكل حقيقية جراء التنافس الدولي على اراضيها واتسعت هذه المشاكل باتساع عدد الدول المتنافسة للحصول على اكبر قدر ممكن من الامتيازات والتسهيلات التي تمنحها مراكش لهذه الدول . فدخلت مراكش جراء ذلك ، في دوامة المعاهدات المفروضة عليها من الدول الاوربية وتفاقمت معها المطاليب الاوربية التي كانت تستهدف منح رعاياها المُقيمين في مراكش امتيازات وتسهيلات تماثل ما يحصلون عليه ِ من حقوق طبيعية في دولهم . فأمتدت الايادي الاجنبية لتقتطع مساحة واسعة من السلطة المراكشية في امور القضاء والاحوال المدنية والميراث وامتيازات تجارية واسعة لصالح الرعايا الاجانب ، ولم تكتف ِ بذلك ، ففرضت نظام الحماية على الكثير من السكان المحليين ، وبذلك فقدت السلطة المراكشية سلطتها ليس على الوافدين الاجانب فقط بل شمل ايضا طائفة كبيرة من اهل البلاد .